
وغادر صالح واسرته من البلاد ليلة الأحد تاركا خلفه تأريخ من الحروب والجرائم خلفت اكوام من القتلى والجرحى وانهار دم ودموع واهات لا تحصى على ارصفة الوطن ،وبعد عام من الثورة التي عاند حتميتاها الى أن طفح كيله وضاق به حلفائه قبل خصومه ،وفشل محاولاته بالفتك بمكامن قوتها ،وحتى آخر لحظة ظل معانداً ومراوغاً غير مكترث بتبعات مرضه التسلطي على الارض والبشر ...
في نهاية اهون من مُذلة، غادرها "خلسة" وانزاح الكابوس على كثير من ابناء اليمن داخل وخارج الوطن الذي كان يعتبره احد ممتلكاته ،حطت طائرته في منفاه الجديد سلطنة عمان ومن ثم الى امريكا وكأن القدر أراد له ان ينتهي به الأمر في ذات المنفى اوصل نائبه وشريكه في تحقيق الوحدة علي سالم البيض الغياب فيه لأكثر من 15 عاماً، مع ان وصوله الى عمان ومنها الى الولايات المتحدة للعلاج ،كان ضرورة قانونية تجنبه اي ملاحقة في امريكا ،كما نصحه مستشاريه ..
وسواً غادر البلد نهائياً كمنفي والى غير رجعة او غادرها في رحلة علاجية وسط احتمالين عن عودته الى سلطنة عُمان او الى صنعاء بحثا عن مراسيم رحيل عقب انتخاب عبدربه هادي رئيساً للبلد ، لكنه رحل عن اليمن كمواطن عادي وليس كرئيس وبلا تشريفات او سجاد احمر وليس مرفوع الرأس كما تمناها ذات مقابلة متلفزة بداية الثورة مطلع العام الماضي..
لا خيار ثانٍ للسفاح صالح غير الرحيل في نهاية حيله وحروبه ،ووفقا للآلية المزمنة التي منحته حصانة كاملة من المحاكمة واتاحت له فرصة ذهبية للخلاص من نهاية متوقعه بيد الثورة كنظريه المصري مبارك والليبي معمر، وان جنبته مبادرة الخليج من نهاية ثورية مشابهة للتونسي بن علي له ولحزبه ،كانت بدعة الانتقال السياسي الآمن للسلطة من صالح الى نائبة هادي الذي وجد نفسه امام تركة رئاسية رثة وحزب شلل هش من جهة وامام مسؤولية وطنية اكبر في قيادة المرحلة الانتقالية من جهة أخرى ...
مرت ليلة الأحد وسط صمت شعبي عارم ،يا لها من ليلة مهيبة غادر فيها صالح عمليا من السلطة ،ولرحيله هذا الف معنى ومعنى ،وان تأخرت هذه النهاية كثيرا وتهرب مرارا من هذه فجعتها اللحظة عليه ،لكن ارادة الشعب المتجسدة بثورته السلمية ،اجبرته على الرحيل المر ،فبعد تحصينه من المحاكمة بقرار نهار قبل امس السبت من قبل البرلمان بناء على طلب حكومة الوفاق لمطلب الجماهير بمحاكته مع اعوانه ،التي قال رئيسها باسندوه" بأنها حصانة للوطن وليس حصانة لصالح " ،كان من الطبيعي أن يغادر هذا المسخ صالح مبرر للبقاء للتلاعب بمزيد من الوقت بلؤم المفجوع من دوران عقارب الوقت عليه بين عقدة "التيس" وهوسه بـ"تلبيس" الثورة حلة الأزمة والصراع على السلطة ،كما كان يحتال على كل شرارة ثورة طيلة 33 عام من اغتصابه للكرسي ..
وكعادته ،غادر هذا المسخ مخلفا تسريبات اعلامية لم تتضح بعد عن عودته لتنصيب نائبه المشير عبدربه هادي رئيسا للبلد ،مع ان وضعه الصحي يقول غير ذلك، هذا هو صالح في آخر محاولة ماكرة لإفقاد الرحيل اي معنى لدى الثوار وكأنه لم يستوعب الدرس ،على الرغم من رحليه المزمن ،وهذا نهاية لم يحظى بها ديكتاتور سواه، ومع هذا لاتزال حصانته في مهب الريح ،ولو نجا ليلة امس ببدنه كبداية للنهاية ،فمرضه السلطوي سيدفعه الى نهايته الحتمية كمجرم حرب ،وبإمكان كائن من كان رفع قضية عليه ،ولأن عواصف الربيع العربي مستمرة في اقتلاع معادلات الوقع ،فقد يحتسي علقم نهايته المؤجلة امام العدالة الدولية او المحلية على ذمة ما اقترف من جرائم قتل الثوار السلميين في مسيرات وساحات اعتصاماتهم وحروب ابادة اشعلها بما يخدم سيطرته المطلقة على البلد وحده دون شريك له ..
وبطريقة أبشع من صعوده الى كرسي الحكم بمؤامرتي اغتيال لمن سبقوه وبسط سيطرته على الشمال بعقلية قاطع طريق وابتلع جنوب الوطن وهضم حقوق ابنائها بعد اقصاء شركائه بالكيد الرخيص وحروب الفيد ،وها هو التيس صالح يغادره البلد _رغم انفه_ خلسة ولو بتأشيرة حصانة سياسية مخالفة للشرائع السماوية والقوانين الوضعية ،بعد أن عاما كاملا من التشبث الأرعن بالكرسي ..
و رحيل هذا المسخ المسكون بوهم "تيس الضباط" ليس قليلاً ،لكنه ليس مدعاة للإحتفال برحيل كائن مسخ حكم استولى على قذفته امواج السبعينيات الى كرسي السلطة ،فتشبث بها لأكثر من 33 عاما بالقوة ،وموقف شباب الثورة واضحا في رحيل صالح من عدمه ،وان عٌد هذا الرحيل بداية لمرحلة جديدة من الثورة السلمية المستمرة، في رأي جميع قوى ومكونات الثورة ..
وامتداد لموقفهم الرافض للمبادرة وما نصت عليها آليتها من التزاماتها المزمنة للموقعين عليها ،اعاد اقرار قانون الحصانة نهار السبت من قبل برلمان الراعي ، سخونة الخلاف بين مؤيدي المبادرة من قادة المعارضة يعتبرون الحصانة لصالح "حصانة لليمن" كما يعتبرها باسندوه ،في حين يراها شباب الثورة في ساحات الحرية والتغيير بأن التوقيع على المبادرة وآلتها واقرار الحصانة "خيانة للشهداء" من منظور ثوري متمرد على كل التزام سياسي ...
طيلة عام اثبتت قيادات احزاب المشترك تماسكها في ادارة فعلها السياسي الموازي للعمل الثوري الى حداُ ما، حافظ على وحدة الصف والهدف والمصير الواحد بين المشترك والشباب وبقية القوى والمكونات الفاعلة في البلد في مواجهة نظام صالح ،وان تعرض هذا التحالف الوطني المصيري بين حين وآخر لهزات بسبب اختلاف المواقف منذ اول يوم ذهابهم الى الرياض في ابريل 2011م وما تلاها من حوار ولقاءات سياسية في الداخل و الخارج مرورا بتوقيعهم للمبادرة وآليتها التنفيذية في نوفمبر 2011 م ...
ولأن كافة قوى ومكونات الثورة وعلى رأسهم شباب الثورة واحزاب اللقاء المشترك ،يعتبرون رحيل "التيس" علي صالح بداية لمرحلة ثورية جديدة سيخوضها اليمنيين بمختلف توجهاتهم وصولا الى اليمن الجديد وليس رحيله نهاية غاية بحد ذاتها ،يقر الجميع ويؤكد بأن امام الثورة مشوار وطويل وتحديات جمة لإنجاز اهداف الثورة واعلان انتصار الثورة على نظام صالح بشكل نهائي ...
