محمد سعيد الشرعبي
.................
يخطئ كثير من المهتمين بمجريات ثورتنا الشبابية الشعبية السلمية عندما يعتقدون أن توقيع صالح على مبادرة الخليج قبل أيام في الرياض حل لمشاكل وطن تم تدميره على يد صالح وعائلته الحاكمة للبلد منذ 33 عاماً، وغاية شباب ومكونات الثورة الذين صمدوا في وجه أجهزة القمع والرعب وآلة الحرب لعائلة صالح لما يقارب عاماً كاملاً، ويغفلون رفض شباب الثورة للمبادرة من تاريخ إعلانها لأكثر من سبب وسبب، منها منح صالح وأبنائه والمتورطين بقتل المعتصمين السلمين والمدنيين على ذمة الثورة، كحصانة سياسية مخالفة لدستور اليمن وكافة القوانين والصكوك الدولية، وعدم توضحيها في رحيل ابناء صالح من قيادة الأجهزة العسكرية والأمنية في اليمن، ناهيك عن توفير هذا المبادرة فرصاً لإفلات ناهبي المال العام من المحاسبة، بالإضافة الى ذلك عدم تطرقها لمشكلة محافظي المحافظات الذين يعتبرهم اليمنيون شركاء لصالح وعائلته في جرائم القتل والفساد والتدمير، وأسباب رفض شباب الثورة للمبادرة لا يتسع المقال لذكرها.
ومع سريان المبادرة بدءاً من توقيع صالح عليها الأربعاء الفائت في «العاصمة السياسية» الرياض، وتسمية المناضل محمد سالم باسندوة رئيسا لحكومة الوفاق الوطني ليل الجمعة وصدور قرار رئاسي بتكليفه تشكيل حكومة وفاق وطني مساء الاحد، قبلها بيوم اصدر القائم بأعمال الرئيس عبد ربه هادي مرسوماً رئاسياً يدعو فيه اليمينين لانتخابات رئاسية مبكرة في 21 فبراير من العام المقبل عملا بالآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، يتصاعد الحماس الشبابي ويتضاعف زخم الفعل الثوري رفضا للمبادرة التي لم تحقق ادنى مطالب الشعب الثائر الذي يؤكد أنه خرج لإسقاط نظام ومحاكمة عدد من رموزه الضالعين في جرائم قتل وتدمير بلد، ولم يقدم كل هذه التضحيات بحثا عن أنصاف حلول وقبور مفتوحة لشعب برمته.
ومع هذا لا تزال كل احتمالات فشل المبادرة واردة وبقوة، كون صالح بأكثر من ظهور متلفز له منذ توقيع المبادرة واستمرار قواته في شن حروب الإبادة في تعز ومديريات شمال صنعاء، يريد أن يفهم الداخل قبل الخارج أنه باقٍ في رئاسة البلد ولو شرفياً ربما لمداوة رضوضه النفسية وكبريائه الزائفة غير مكترث بسخط شعبي متزايد تجاه تصرفاته تلك، ويرجح كثير من المهتمين بالشأن اليمني أنه تنصل تدريجي من مبادرة الخليج ستنتهي به في قبضة شعب ثائر قد ينقض على دار الرئاسة بأي لحظة.
وان كان قد تعهد بإنجاح المبادرة التي وقعها تحت ضغط غير مسبوق، فتكرار ظهوره المتلفز يمثل استفزازا واحراجا لدول الخليج والأمم المتحدة بقدر ما هو احراج لأحزاب المعارضة التي عبرت عن رفضها لتصرفات صالح اثر عودته من السعودية، وتهليل وسائل الإعلام الحكومية التي لاتزال تحت سيطرة نظام صالح لتحركاته دليل على ان عميلة استئصال صالح عن الكرسي ومؤسسات الدولة تحتاج لوقت، وهذا ما أكد عليه محمد سالم باسندوة في رسالته لشباب الثورة عبر قناة الجزيرة مساء الاثنين.
وبلا شك، فرفض المبادرة من قبل شباب الثورة في ساحات الحرية وميادين التغيير وانتقادهم لقيادات المشترك وحلفائهم بلجنة الحوار الوطني على دخولها كطرف في المبادرة والتي بموجبها سيكون شريك حكم بالتساوي مع المؤتمر الحاكم في حكومة وفاق وطني بدون صالح الذي رحل بتوقيعه للمبادرة.
ومع مرور الوقت يزداد خلاف الشباب مع احزاب المعارضة واعضاء المجلس الوطني، لهذا لن ينفع حرص قيادات المعارضة على طمأنة شباب الثورة من مواصلة التصعيد الثوري حتى تحقيق كافة أهداف الثورة ورحيل صالح بشكل نهائي، ولعل مزايدة أطراف طارئة على المشهد السياسي سبب في إذكاء سخط غير مبرر ومدروس او على الأقل واعٍ بما يعصف بالوطن من مخاطر سببها الأول صالح وعبواته الناسفة للبلد برمته، نتيجة حكمه للبلد بالعصابات والجماعات الخارجة عن القانون التي تسعى لفرض نفسها بقوة السلاح بدعم من صالح وهذه الجماعات موجوده في المحافظات الجنوبية والشمالية ..
لهذا يجب علينا مواصلة تصعيدنا الثوري بعيدا عن أي خصومات مع المشترك واعضائه في الساحات، حفاظا على وحدة الصف الوطني. بدورهم يجب على أعضاء المشترك استيعاب المرحلة، وعليهم نتمنى أن يسألوا انفسهم ماذا بعد؟ بمعنى من ثار من اجل المشترك، فالمشترك صار حاكما من لحظة توقيع المبادرة، وتمرغ صالح وتنطع أبناؤه بتصريحات ما هي إلا سكرات سقوط سريع لنظامهم، ومن ثار لأجل الوطن باقٍ، والمستبد لم يسقط بعد، وبالتالي من سيوفق بين انتمائه الحزبي وخياره الثوري سينجو من فخ التحول الى مستبد جديد.
وعليهم أن يتوقفوا عن المبالغة في التحسس من انتقادات شباب الثورة لقيادات المشترك ولو وصلت حد التجريح، كون توالي الصدمات السياسية على المشهد الثوري لم يعد بوسع شباب لم يختبر أو يمارس اللعب على حبال السياسة، وهذا ليس عيبا بل ميزة ثورية معروفة في تأريخ الثورات.
ومن هنا نؤكد للمرة الألف أننا مدركون أن اللقاء المشترك كتلة وطنية عظيمة، وحرصها على إنقاذ الوطن ليس في معرض المزايدة والتراشق بالتهم في لحظة وطنية حرجة كهذه، ومع هذا ليس من حق أي عضو او قيادي في المشترك ألا يسمح لأحد تصفية حساباته مع شباب الثورة بناء على عداوات شخصية او غيره.
لهذا، على كائنات اللحظة المفخخة بعبوات ناسفة لأخلاق السياسية احترام أبجديات الاختلاف تحت سقف الوطن ومصالحه العليا، وألا ينهجوا نهج أسلافهم البائدين، فأي انتقام مبكر من أي نوع بعد هذا اليوم لن يقابل بالتسامح، فالجهاز العصبي للبلد والشعور العام لكافة فئات الشعب لم تعد تحتمل مزيداً من هذا الحروب القذرة المسكوت عنها منذ عام.
أقول هذا للجميع وأولهم كاتب هذه السطور، وأنا مؤمن أن كثيرا ممن خاطبتهم يشاطروني هذا الشعور في لحظات موحشة تسكن روح كل وطني غيور على بلده من كارثة قد زرعها رأس هذا النظام الساقط بقيادة علي صالح وعائلته الإجرامية وبقية مجرمي لعينة الوالدين «الشرعية الدستورية» التي خلفت كل هذا الخراب والدمار والمآسي في البلاد.
وكما يؤكد شباب الثورة في مختلف ميادين الحرية والتغيير،يجب أن يبقى التصعيد الثوري السلمي خيارا لجميع فئات المجتمع واطيافه حتى تحقيق اخر اهداف الثورة اليمنية بعيدا عن الانزلاق الى مربع التناحر التي يريد لنا صالح وبقايا نظامه السقوط في مستنقعها ..
لهذا ومن باب حرصي على استمرار الزخم الثوري،يجب على جميع الموتورين وذوي العقول الصغيرة التوقف عن تفكيك هذه الكتلة التاريخية والتحالف المصيري بين احزاب اللقاء المشترك وشباب الثورة بمختلف توجهاتهم، لأن السماح بتكرار اي عمل تفكيكي غير مسؤول يعد عملا مشين وعاراً على أصحابه فقط، ...
اشعر بما يحز في قلوب الأحرار،وأدرك بأن دماء الشهداء كابوس يلاحقنا من حيث ندري ولا ندري، لهذا لن نقبل بنصف ثورة،لن نترك صالح وعائلته الاجرامية وبقية قتلة شباب الثورة السلمية والمدنيين يسرحون ويمرحون كما تريد لهم مبادرة الخليج،وعهدا لكم لن ننام وفي الحياة متسع للخروج ضد القتلة والمجرمين، فليستمر التصعيد الثوري حتى نهاية مشوار نضالي لا زلنا في بداياته،فالثورة فعل مستمر يا "مستعجلين" ..


