الاثنين، 31 أكتوبر 2016

مأساة فنية من المحيط إلى الخليج

مأساة فنية من المحيط إلى الخليج

محمد سعيد الشرعبي:

رحل الموسيقار الفذ والمطرب الخالد ملحم بركات، وكان رحيله موجعا، ويذكرنا بمأساة الفن العربي الراهن عامة، والفن اليمني على وجه الخصوص.

يغادر الحياة كبار المطربين، وتركوا مكتبة باذخة بالأعمال الفنية الخالدة، وقدموا فنا أصيلا أرتقى بذائقة الشعوب العربية وساعد في حشد الأحرار للخلاص من الإستعمار و الإستبداد.

يرحل عمالقة الفن، وتنعدم الأغنية الوطنية، وتسود التفاهة، ويتعملق الأقزام بفعل ترويج قنوات عربية لأصواتهم البائسة، علاوة على افتقادهم الموهبة.

منتصف القرن الفائت كان الفن الأصيل أحد عوامل تحرر الوطن العربي، وكان للفن دوره البارز في رفع وعي الشعوب، ومنع إندثار التراث العربي.

الآن، ورغم تعاظم الخطر على البلدان العربية، أولها اليمن والخليج، تستمر قنوات خليجية بترويج الفن الهابط وغير البعيد عن واقع العرب من المحيط إلى الخليج، ولكأنهم بعيدين عن واقع أوطانهم.

الأشد مضاضة أصبح الضجيج الفني الهابط منتشراً كالوباء، ويظهر كارثة ارتباط الفن بجشع الشركات التجارية الباحثة عن المال على حساب الإبداع الموسيقي والقيم الإنسانية.

المتابع للقنوات الغنائية العربية يدرك الانحطاط وتبعاته على الإنسان بعدما كانت الفن معبراً عن ذات وثقافة العرب، والصوت المدافع عن حقوق الشعوب في التحرر من الإستعمار.

 يزعم تجار الفن الهابط حرصهم على إبقاء الفن بعيداً عن واقع السياسية والصراع المتزايد في بلدان العرب، وهم بهذا التبرير يعبروا عن هروبهم من بطش الحكام، ويؤكدوا حقيقة اتجارهم بالفن.

بإستثناء قلة فنانين عرب، يعد الفن المتلفز لا قيمة له، و يشارك أربابه في استغفال الشعوب عبر تكريس الضحالة لدى الجيل الراهن الذين يعتمدوا بشكل أساسي على القنوات الغنائية والترفيهية في استقاء قيمهم وأفكارهم.

ومن أسباب تراجع الفن العربي ابتعاد الشعراء عن الشعر الغنائي المعبر عن شعوبهم المهددة بالفناء بمشاريع طائفية قذرة و إرهابية مرعبة، وهذا يدل على غياب المشروع الوطني والقومي.

الفن ليس صوت يردد، وموسيقى تعزف، وجسد يتمايل، بل رسالة ثقافية وحضارية تعزز القيم وتنشر أفكار، وينقل وعي الشعوب إلى ذرى الشعور الإنساني والوطني، ويبعث الذات من وحل اللاشعور.

محليا، من كوارث الواقع غياب الفن عن واقع المعركة الراهنة، وهذا يؤكد غياب الشعور التحرري في الأوساط الفنية والثقافية منذ سنوات، ولهذا حلت زوامل الإمامة بدلاً عن أغان الجمهورية.

بعد عامين من الإنقلاب لم يبزغ نجما يبدد ظلام البلاد، ولن نسمع عملا فنيا يساند حق شعب اليمن في إنهاء الإنقلاب واستعادة جمهوريته، واللافت اعتماد قنوات الشرعية على الفن الوطني لعمالقة الطرب اليمني، في مقدمتهم، أيوب طارش ومحمد مرشد ناجي.

مكمن المشكلة يعتبر محرك الإعلام والثقافة الجمهورية نخبة رجعية لا تؤمن بالفن، وليس في حساباتهم اذكاء مشاعل الغناء في مواجهة الإمامة عبر فتح الباب للشباب في التنافس والإبداع كما فعل الأحرار قبل وبعد ثورة 26 سبتمبر و 14 أكتوبر.

تقول النخبة المعنية بالفن والثقافة بأن الفن لن يصنع انتصار، ويجهلون بأن اليمن يواجه جائحة ثقافية تزامنا مع مواجهة المليشيات، ومن يعرفوا حرص الحوثيين على إنتاج الزوامل يدركوا غايتهم الظلامية في ضرب القيم الجمهورية.

تحدث أبطال سبتمبر وأكتوبر عن دور الأغاني التي حركت الشعب للإطاحة بالإمامة وطرد المستعمر، والمؤسف، يأتي الأدعياء بعد نصف قرن للتقليل من دور الفن في زيادة تحصين الشعب من جائحة الإمامة والثورة المضادة.

هناك مطربين يمنيين كبار في دول الخليج، والأغرب، لم يخرج أحدهم بأغنية مساندة للأحرار بسبب وقوع  أغلبهم ضحية الإعلام المعادي الذي  يصور الأمر وكأنه صراع على سلطة وليس معركة فاصلة بين الجمهورية والإمامة.

= نشر في موقع المصدر أونلاين

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

دعوة للاستسلام لا السلام

دعوة للاستسلام لا السلام

محمد سعيد الشرعبي :


عاود المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ للحديث عن هدنة في اليمن بعد دعوة أمريكية وبريطانية لوقف إطلاق النار، والتصعيد العسكري على الأرض يؤكد عودتنا إلى ذات الملهاه.

تحالف الحوثي وصالح يعلن قبوله بالهدن ويشترط وقف غارات التحالف، ورفع الحصار العسكري عليهم في البحر الأحمر، وغايتهم ليست السلام، بل مزيداً من الحرب في الداخل بدليل تحركاتهم الميدانية.

يعتبر الحوثي وصالح الهدنة إخراج التحالف العربي كطرف من المعركة بما يمكنهم مواصلة حربهم ضد اليمنيين، وفتح طرق تهريب السلاح للمليشيات عبر سواحل تعز والحديدة، والهدنة السابقة خير شاهد.

هدف الإنقلابيين تحييد طيران التحالف عن إسناد قوات الشرعية في الجبهات الداخلية، وفتح طرقات التهريب بعد إشتداد الحصار البحري عليهم في باب المندب والبحر الأحمر.

تتفاعل النخب في الداخل والخارج مع دعوات وقف إطلاق النار، و ينادون بضرورة إحلال السلام بالرغم من قناعاتهم بعدم إلتزام الحوثي وصالح بأي هدنة تهدف إلى إيقاف الحرب وإنجاز تسوية سياسية.

عودة الدعوات الغربية والأممية لوقف الحرب تعتبر إنقاذ للإنقلاب، ولن يمارس المجتمع الدولي ضغوطات تلزم الحوثي وصالح تطبيق قرار مجلس الأمن 2216، والأصح، أصبح قرار الحوثي وصالح بيد طهران، ولهم مصلحة كبرى في استمرار الحرب.

محليا، من يدرك إبعاد إنقلاب الحوثي وصالح على الجمهورية، وإشعالهم حرب واسعة ضد الشعب، لن يستغرب تهربهم من دعوات السلام، وبعد ايصالهم البلد إلى مرحلة الجوع لن يتوقفوا عن الحرب.

كما أن حربهم ليست مجرد إنقلاب يمكن إنهائه بعقد تسوية سياسية مع بقية القوى السياسية المناهضة لهم، ولكنها حرب مسنودة بمطامع إقليمية، وتحركها خرافة الحق الإلهي بالحكم، ولهذا يعد السلام معهم استسلام .

تتزايد حرب صالح والحوثي يوما أثر آخر، ولا يمكن لأحد وقفهم سوى بإنهاء إنقلابهم بالقوة أو تطبيق القرار 2216 ، ومقترحات إبرام تسوية دون الإلتزام بمرجعيات العملية السياسية تفخيخ للمستقبل.

الحكومة الشرعية مطالبة بالحسم، والأدهى الذهاب إلى تسوية تؤسس لحروب أخرى بغباء تقدير انعكاس المتغيرات الدولية على البلد تزامناً مع تزايد المآسي الحياتية.

هدر الوقت في ماراثون المفاوضات لن يوقف صالح والحوثي عن استعادة ما فقدوا، بل يمنحهم فرصة لإعادة الأوضاع إلى نقاط البداية، وتجربة الهدن السابقة تؤكد هذه المفارقة.

أقول دائما، الدعوات لإرساء سلام هش دون ممارسة ضغوط هدفها تطبيق قرار مجلس الأمن تقدم فرصاً إضافية للمليشيات للبطش باليمنيين، وإبقاء البلد في مهب الحروب الإقليمية.

ما يريده اليمنيين سلاما شاملا واستعادة مؤسسات الدولة لا استسلام لمليشيات الإنقلاب، والمقرف تسطيح المعركة الفاصلة بين أحرار الجمهورية وجحافل الإمامة في سياق دعوات البعض للسلام.

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

صمت عن مجزرة سوفتيل!!

صمت عن مجزرة سوفتيل!!

محمد سعيد الشرعبي

ليلة أمس نشر إعلام الإنقلاب تحذيراً خطيرا حول مخطط استهداف المدنيين في مدينة تعز من قبل مدفعية " المنافقين"، وحدث العكس صباح اليوم.

لقد شنت مليشيات الحوثي قصفا عنيفا صباح اليوم على أحياء تعز من مواقع تمركزهم في تبة سوفتيل، وشارع الستين، ومطار تعز الدولي، وغيرها.

في وضح النهار ارتكبت المليشيات الإنقلابية مجزرة مروعة قتل فيها 6 مدنيين وأصيب 19 آخرين جراء سقوط قذيفة هوزر عليهم قرب المقوات الجديد في جولة سوفتيل.

شهود عيان ومصادر عسكرية أكدوا إطلاق مليشيات الإنقلاب عشرات من قذائف الهوزر من مواقعهم في مطار تعز الدولي بالجند نحو أحياء شرق المدينة، وسقطت أحد القذائف في جولة سوفتيل، وخلفت قتلى وجرحى بين المدنيين.

استبق اعلام الحوافيش مجزرة اليوم في جولة سوفتيل،  وأتهموا مدفعية "المنافقين" قبل ساعات من حدوثها، وبينت المعلومات أن قذيفة الهوزر قادمة من المطار بمديرية الجند!!

خلال عام ونصف لم تطلق المقاومة والجيش الوطني قذيفة واحدة تجاه الأحياء السكنية بمناطق سيطرة المليشيات شرق المدينة، وهذا دليلاً يدحض مزاعم واتهامات إعلام الإنقلاب.

في المقابل، تواصل مليشيات الحوثي دك أحياء تعز وقرى جنوب وغرب المحافظة بذريعة استهداف من يطلقوا عليهم "الدواعش، والمرتزقة، والمنافقين"، ولكن نيرانهم تطال المدنيين.

من بداية الحرب حصدت صواريخ ودبابات ومدافع مليشيات الإنقلاب حياة أكثر من 2000 مدنيا، كما خلفت آلاف الجرحى، وغالبية الضحايا من الأطفال والنساء.

التطور الجديد في خطاب وسائل إعلام الإنقلاب نشر  أكاذيب مسبقة تتهم قوات الجيش الوطني والمقاومة باستهداف المدنيين، وعلى الفور ، ترتكب مليشياتهم المجازر بدم بارد، وكانت البداية من مجزرة سوفتيل.

لقد انتقل إعلام الإنقلاب من مرحلة اتهامات قوات الشرعية عقب مجازر مليشياتهم ضد المدنيين في تعز إلى مرحلة نشر الاتهامات المسبقة، ويأتي هذا التطور بعدما لاقت مجزرتهم في منطقة بئر باشا غرب تعز سخط محلي و دولي واسع.

أمام هذا الإنتقال الخطير في إجرام المليشيات بحق سكان تعز يجب على قوات الجيش الوطني والمقاومة ومنظمات المجتمع المدني توثيق الجرائم، ونشرها في وسائل الإعلام بدلاً من الحديث غير الموثق.

اللافت اليوم عدم قيام وسائل إعلام الشرعية وناشطي المقاومة بأقل واجب في تناول مجزرة سوفتيل رغم ضرورة ذلك بهدف تعريف العالم بحقيقة الجرائم المستمرة للمليشيات في تعز.

رغم معرفتنا أسباب صمت بعض المنظمات الحقوقية على جرائم مليشيات الحوثي، فلا يمكن تفسير صمت ناشطين عرفوا بنشطاهم في كشف حقيقة مغالطات إعلام عصابة الإنقلاب.

الجمعة، 7 أكتوبر 2016

أكتوبر التحرير

أكتوبر التحرير

محمد سعيد الشرعبي

أيام تفصلنا عن الذكرى الثالثة والخمسين لثورة 14 أكتوبر 1963، وأكتوبر التحرير يعيدنا إلى اللحظات المصيرية في تاريخ اليمن شمالا وجنوبا.

والحقيقة التاريخية المشرقة في ثورة 14 أكتوبر أنها امتداد لثورة 26 سبتمبر، وتجسد في الثورتين الإرادة اليمنية الكبرى، وسيعجز أصحاب المشاريع الصغيرة عن تمزيق الروح وتقطيع الجسد.

لا أهمية للحديث عن ثورة 14 أكتوبر دون إلمام بكل أحداثها، ومعرفة ارتباطها بثورة 26 سبتمبر، وجهود أبناء الشمال  في صناعة الإنتصار الأكتوبري بإرادة تجاوزت كارثة الإمامة والإستعمار في تشطير الأرض وتجزأة الشعب.

مثلت ثورة 26 سبتمبر 1962 الميلاد الوطني الملهم لثورة 14 أكتوبر 1963، والسند الحقيقي لانطلاقة مواكب تحرير الجنوب بعدما أشرقت الجمهورية في شمال الوطن.

لقد كان للشعب اليمني مساراً تحررياً واحداً في درب الخلاص من الإمامة والإستعمار، وسارت كل الأحداث  التحررية للجنوب على هذا الأساس الوطني الراسخ.

وشارك أبناء الشمال في معارك تحرير الجنوب بدافع وحدة المصير والهوية، وكانوا من أبرز قادة ثورة 14 أكتوبر، وتشهد وديان لحج، وجبال الضالع، وشوارع وحافات عدن بعظمة بطولاتهم.

تقدم تلك الكوكبة الوطنية العظيمة الشهيد عبود مؤسس كتائب الفدائيين في ثورة 14 أكتوبر، وآلاف من الشمال الذين كان لهم دور بارز في دحر المحتل من الجنوب.

لم يقتصر دور الشمال بالشهيد عبود ورفاقه، بل كانت تعز ساحة تدريب ثوار 14 أكتوبر، ونقطة إمداد لأبطال التحرير من أول رصاصة إلى لحظة جلاء آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967.

كما كانت إذاعة تعز صوت ثورة 14 أكتوبر المزلزلة للمتحل، ومن ميدان الشهداء في قلب الحالمة، طلب الزعيم جمال عبدالناصر بريطانيا العجوز بالرحيل من جنوب اليمن.

بعد نصف قرن، نتذكر تاريخنا المشرق رغم المآلات الكارثية التي خلفها إنقلاب عصابة المخلوع صالح على الوحدة صيف 1994، وما تبعها من تنكيل قذر للأرض والإنسان في الجنوب.

في هذا العام المرير، سيكون للذكري الـ 53 لثورة 14 أكتوبر وقعا مختلف عما سبق نظراً لاستمرار المعركة التاريخية اليمنية ضد مليشيات الإمامة التي أعادت الشعب بدايته التحررية.

لا فرق بين الظروف التي تعيشها اليمن منذ نكبة 21 سبتمبر 2014، واللحظات الأولى لثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر، ودفاع أبناء الجنوب والشمال على الحلم  الجمهوري في ستينيات القرن العشرين.

نكبة الانقلاب ضمدت كثيراً من الجراح، وأعادت ترتيب الأولويات، ودفعت الشعب إلى درب معركة تحرير البلد من المستعمر الداخلي، وبرغم ذلك، تعمل مكائن التفتيت والفيد بغباء ضد الأهداف الخالدة لثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر.

التحديات الراهنة أجبرت الداخل والخارج على إبقاء البلد موحداً إلى حين إعادة صياغة الوحدة مجددا، وذلك في بناء دولة الدولة الاتحادية وفق مخرجات الحوار الوطني.

سنحتفل بذكرى الثورة الأكتوبرية مهما تعاظمت المآسي، و السؤال الآن: هل سيواصل منظمو ذكرى ثورة 14 أكتوبر في عدن تغييب دور الشهيد عبود ورفاقه؟؟

واجبنا تذكير الأجيال بأمجاد ثورة 14 أكتوبر وفاءً لتضحيات الأبطال من أبناء شعب اليمن في مختلف المراحل، وتأكيداً على حقنا في الحياة بوطن آمن ومستقر.