محمد سعيد الشرعبي
وضعنا غير باعث للتفاؤل رغم تجربة اليمنيين
في التعايش مع المخاطر الامنية والتحديات السياسية في مختلف مراحله التأريخية
القريبه والبعيدة ،ومع ذلك فالأمل باقٍ ما
بقي شباب اليمن والقوى الوطنية على درب الحرية،يناضلون من اجل الحرية والكرامة
والمواطنة في وطن يراد له البقاء في متاهة المرحلة المبددة لكل حلم والقاصمة
لتطلعات الناس .
بين خيارات الثورة السلمية وآفاق التسوية السياسية،تظل
تحديات تفكيك بنى النظام السابق في ظل تعقيدات واقع قابليته للتغيير بطئيه ،تحدِ
يحتاج لإرادة وطنية فولاذية كفيلة بإنجاز التحول التأريخي في البلد بعيدا عن
المعالجات الآنية ،كون عجز الارادة الوطنية عن تجاوز تصلب رواسب الماضي الاستبدادي
،يعزز من تكريس أدوات الماضي وثقافتها في سلوك الدولة ووعي النخبه متحكمة في مصير
الشعب ومهددة لسلامة الوطن .
الآن لم يتبقى
من أمل في توحيد الجهود في ارادة وطنية واحدة ،قادرة على تجاوز الماضي بوعي متحرر
من عقد ما قبل الدولة سوى في عودة الوعي الى مختلف القوى الوطنية وعملها من اجل
الانتصار لتطلعات الناس بدولة مدنية حديثة ،و أياً كانت طرق الوصول الى هذه الغاية
الكبرى يجسد المشروع الوطني،فالمسألة تستدعي تنازلات من مختلف الاطراف من اجل بناء
اليمن الحديث على اسس صحيحة.
في الايام
الحالية يبدو المشهد قاتما ،وغير مطمئن تماما ،لكن تعويل كثير من القوى السياسية
الفاعلة في الجمهورية على مؤتمر الحوار بوصفه المحطة الهامة في المرحلة الانتقالية
المزمنة ،بإعتبار البديل عن الحوار تخندق طرف خلف مشاريع ستدفع بالبلد نحو المجهول
،لكن تعويل اطراف الوفاق الانتقالي ،مشغولة بذاتها وبخصوماتهم القديمة في لحظة
حساسة تتطلب منهم تجاوزها لتغليب لتفويت الفرص على مشاريع الخراب المحتشدة بهدف
عرقلة وصول البلد الى بر الأمان.
وبعيدا عن
التنظير للحوار المفترض تدشينه منتصف مارس القادم لأن المشاركة فيه يبدو أنها ستجمع
مختلف القوى على الخروج صيغة سياسية جديدة رغم فشل لجنة الحوار والقوى السياسية في
انجاز النقاط العشرين التي وافق عليها الرئيس هادي للتمهيد للحوار الوطني ،لكن ما
يمهم الناس العاديين هنا عمل مستمر من حكومة الوفاق ،من اجل تحسين الخدمات وتذليل
مختلف الصعوبات الحياتية اليومية ،بعدها يمكن للناس العاديين التفاؤل بالمستقبل
ولو يكن المستقبل المنشود .
وفي قراءة
سريعة لمشهد إنسداد الافاق السياسية وتغلل
حالة الاحباط الى نفوس الناس،علينا ألا ننسى بأن انشغال الجميع عن مشروع
الدولة ،تُمكن سلوك الماضي _ المفترض رحيله من اجهزة وعقول النخب الحاكم _ من تطويع
الحاضر لمصالحه في ظل عجز روافع الحاضر عن انتزاع المستقبل من بين نواجذه لإمعان
كثير من القوى في متاهة تنقيب خصومات الماضي بعدما تجاوزها الشعب بثورة سلمية وحدت
الناس على الهم الوطن الاكبر في التخلص من الاستبداد وبناء دولة مدنية ديمقراطية.
ومما لاشك فيه
تزيد الانتكاسات الوطنية من تعقيدات الواقع المفخخ بقوى الفساد ومشاريع الخراب ،ولن
تنجو البلد الشارد بين مفترقي طرق سوى قدرة دعاة الدولة المدنية الحديثة من قوى الثورة
وغيرها على الانتصار للمشروع الوطني واستعادة البلد ومشاركة الجميع في ريادة الفعل
السلمي وأدواته الممكنة لبناء الدولة العادلة الديمقراطية،بدلاً من قوى الخراب إدخال
الجميع في صراعات جزئية على هامش القضايا الوطنية
الكبرى،لهذا يجب أن نختار الوطن بدلا من الانخراط في مشاريع ماضي الموت و المحاصصات
والضياع .
ومما شك فيه ،بمقدر
اليمنيين الانتصار لحلمهم المهدور ،وحتما ستزيد خيارات الخلاص من الماضي المشؤم رغم
سيادة حالة الإحباط على تفكير الناس وشباب
الثورة،مرجعين تلك الخيبة بـ"فشل الثورة
" في احداث التغيير الجذري،على الرغم من الواقع يؤكد بألا للثورة يدُ في كل
هذا الخيبة ،ولأن استعجال الناس بتحقيق الغايات الكبرى للثورة مقرونا ببطأ التغيير
قد يعزز من طرحهم ،لكن التنصل من المسؤولية الوطنية الراهنة عار على من سينصرف عن
كل بشارة خير لخروج البلد من دوامة الماضي .
وفي الأخير
يزعجني اشتداد الحملات الاعلامية على هامشنا همنا الوطني ،وما يحز في النفس انتهاء
حروبهم الكلامية بحلول او بتسويات،لكنهم يتركون شروخا عميقة في المجتمع ويتحمل
موزعي الصكوك مسئولية توسيع الشروخ و تفخيخ الدروب بين احلام الشعب والوطن المنشود
